Thursday 9 April 2020

"درسُ "كورونا



جائحةٌ لكائن أصغر من أن يُرى بالعيّن المُجردة، ولا نقوى على التعرف على ملامحه عن كَثب، غيّر وما زال يغير شكل العالم بأسره، وقلبَ حالَنا رأساً على عقب، وبدلَّ الموازين، والأفكار، والاهتمامات، ورتم الحياة الروتيني لشيء يشبه العزلة والتقوقع لكل واحد فينا على نفسه، حيث هو وذاته والوقاية من شيء لا يشبه أي شيء، وحتى إن مضى إلى الاختفاء؛ فإنه حتماً سيُحرَّص منه في المستقبل- إذا ما تجاوزنا اختباره المُباغت

في هذه الجائحة دروس وعلامات، تجعل صفوف الدول والأفراد يصطفون جنباً إلى جنب، للتفكر والتأمل، وإعادة النظر في موازين القوى والدفع والجذب وأمور عديدة أخرى يطولُ شرحها، ولكن الدرس الجوهريّ برأيي الذي يحط عنده الجمل بسنامه، وهو ما خرجت به بنفسي من بين جُملة تلك الدروس، ألا وهو: تعلُّم فن عيش اللحظة لذاتها دون ترقب المستقبل البعيد، كونه وبكلِّ بساطة تتغير ملامحه بقدرة الواحد الأحد، وفي بُرهة من الزمن، ودون سابق إنذار، تماماً كما حدث في اختبار "ولن اسميها أزمة" كوفيد-19

هذا الفيروس ما هو إلا اختبار، و"بريك" لأخذ نفسٍ سريع من دوامة كانت ستُطيح بنا من لهثنا وراء مستقبل لا نضمن وجودنا فيه، ولكن ونظراً لهلعنا في الحرص عليه، أخذنا بالتفكير به وأَمضينا الجهد والمال والوقت بكل تأكيد للتأهبِّ في الوصول إليه، والمُضي قُدماً في تطوير سُبل العيش فيه، لا بل واستثمارها لتأمين متطلبات حياة لا تنتهي، بَيْد أننا -وبين هذا وذاك- نسينا أن نعيش اللحظة، ونتريّث أكثر في أمورنا، رُبما لاستنشاق شهيقٍ صغير قبل أن ينقطع بنا المشوار فلا نعود قادرين على الوقوف على قارعته لاستشراف ملامحه "المجهولة"، وهنا انقضى جلُّ أعمارِنا

هذه الجائحة، وذلك الحجر في المنازل، والابتعاد عن علاقات كانت تُشكل صُلبُ حياتنا، ما هي إلّا رسالة للتفكُّر البطيء، وكلما طالت فهي تُمهلنا فرصاً جمّة للتريث في النظر المليل في قرارتنا، وتغيير مبادئنا الباليّة وآراء مضى جزء كبير من حياتنا ونحن على إيمانٍ تامٍ بها، وإذا لم يكن وقت "كورونا" هو الوقت الصائب لإحداث هذا التغيير؛ فأيّ وقت هو الذي سوف نواجه أنفسنا التي شبعنا ابتعاداً عنها حتى بتنا لا نعرفها؟ 


غدير المزيني