Wednesday 19 February 2020

! مصائبُ قومٍ عندَ قوم فوائدُ

تقعُ في مصيبة، فتتوقف عن التفكير، تُحيط بكَ هالةٌ سوداء من الإحباط واللامبالاة والهموم التي تتهافت عليك من كل حدبٍ وصوب، وكأنها تنتظر مد الاكتئاب أن يغمرُ شاطئك حتى ينفرج انحسارها وتتنوع بين مدٍ وجزر، ثم لا تلبث أن تتكاثف كسحابٍ في سمائك الشاحبة لتهطل بغيثها المُنهمر اللامنقطع عليك بأحاسيس جمّة محورها الاضطراب والتقاعس عن مواصلة الدرب. 

ثم تقرر بغتةً الخروج عن صمتك، فتبدأ باتخاذ قرارات على رأسها.. الانعزال والابتعاد عن كل من حولك مرة أخرى، وتختفي خلف زجاج عينيّك، لتبصر كل الأحداث والأشخاص من حولك وأنت خارج الدائرة، ولكنك ودون أن تلاحظ على اتصالٍ صامتٍ غير مباشر بها.

وحالما تتخذ وضع المُتنحي المشاهد عن بعد لسيّل الأحداث والمواقف العارمة من حولك؛ هل لاحظت أن بعضهم قد استفاد من مصيبتك هذه؛ على اختلاف حالها وكيفية حدوثها ودرجة ألمها وما أصابت قلبك من وجع؟ ! 
اسأل نفسك: هل آن الأوان أن تؤمن وتسلِّم بقول لطالما سمعنا به وهو أن "مصائب قوم عند قوم فوائد"! 
 فعليّاً.. كم من مصيبة نزلت بنا لإرادة آلهية نجهل حكمتها، ثم تقاعسنا بسببها وأعطينا من خلالها "الفرصة" على طبق من ذهب خالص لذلك الشخص المتربص الذي ينتظر وقوعنا، كي يخطف البساط من تحت أرجلنا ويلمع، وكأننا نحن من ندفع له تكلفة حساب توهجه في سماء غلب عليها إحباطنا لظرف كنا قد مررنا به. 

لكل تلك الظروف التي كانت سحابة ثقيلة نوعاً ما في سماء صيفنا، ومهما كانت شدتها وقوة برقها ورعدها في اضطراب خطة مسيرنا نحو القمة، علينا أن نتعلم مهارة وضع الأمور والظروف والمواقف، ولربما الأشخاص كذلك، في نصابها الصحيح، دون أن تطغى كفة ميزان على توأمتها، ودون أن نقدم الفرصة لذلك المُترقب لفشلنا لكي ينال مراده على حسابنا. 

الأمر - ودون أدنى شك- يحتاج إلى تدريب ذواتنا قدر الإمكان وبالقدر المطلوب على تجاهل مُصابنا مَهما كبر؛ خاصةً عندما يتصارع مع مصالحنا، وتقديم مصلحتنا؛ لجنيّ ثمارها بأنفسنا والاستمتاع بها، فلعلَّ وعسى أن تقلل متعة انتصارنا من فجيعتنا ولربما توأدها في مهدها. وعلينا أن نُدرك أن الانتصار الفعليّ لا يعد نصراً حقيقياً في الرخاء، وإنما ما يجعل مذاقه ينضج ويستطيب ويكتمل يّنعه هو مقدار الصعوبة التي خرج من رحمها حتى لقط أنفاسه الأولى باتجاه شرنقة الحياة. 


غدير المزيني 

Tuesday 11 February 2020

اظفر بنفسك .. تربت يداك

   

بين رتم الأيام المتسارع، نتصارع على حلبة الحياة مع مواقف جَمة، بعضها متوقع وآخر لم نكن نتوقع أن نلتقي فيه في صحائف أيامنا، وبين هذا وذاك تجدنا نساوم ونراهن ونحتار كيف التعامل مع وقعها بشكل يناسب ضمائرنا وما جُبلنا عليه لعقود طويلة من الزمان.

وما أكثر خساراتنا! إذا ما رصدنا ما خسرناه بورقة وقلم، وسجلنا جرداً لكل المواقف التي لطالما مررنا بها ومرت بنا، وفي المقابل أيضاً علينا أن نقر بكسبنا وما ربحناه في تجارة الحياة، وهكذا تأرجحنا في كفتيّ الميزان بين عقائد ومُسلمات لطالما كانت الحبل الذي نربط بها جواد أعمارنا ونشدد به تارةً ونرخي تارةً، للمُضي قدماً أو حتى الرجوع إلى الخلف، لتصحيح مسار أو إعادة النظر فيما جدولناه في مذكراتنا التي سنبقى نذكرها ونعيش على عبقها إلى يوم يبعثون.

لكن الأجدى والأهم بين كل تلك الخسارات والمكاسب، أن نكسب أنفسنا في المقام الأول والأخير، وأن نجعل لها إطار ذهبي عيار 24 لا يصدأ ولا يتغير لونه يحفظها من تيارات الزمان وعدوى الوجوه التي نلتقيها بأشكالها المتغيّرة، وطالما أننا وفي أيِّ موقف- مهما صغر وقعه أو كبر- كسبنا أنفسنا، فسحقاً لكل خساراتنا، وطوبى لنفسٍ عزيزة يرتبط صداها بتردد اسمنا ما حيينا.

وعلينا أن نعيش لنسأل ذاتنا يومياً السؤال التالي: "ما قيمة أن نكسب كل شيء ونخسر أنفسنا"؟

ما قيمة أن نكسب صفقة بهتاناً وزوراً وقد خسرنا مبدأً كنا لطالما نؤمن به إذا ما فرقتنا الطرق ووقفنا على قارعتها، وما تلك الجدوى التي سنجنيها من علاقة كانت لنا كل شيء، ولكنها استهلكت بقايا الروح فهمشتها ودثرت الحياة فيها! وما الفائدة التي سنقدمها لذواتنا قبل الآخرين عندما ندوس على كرامة الحياة بأعيننا ونقبل بحياة لا تليق بنا ولا تمثلنا حتى تجعلنا نتعرف على أنفسنا لأول مرة كلما هممنا للنظر إلى المرآة! أسئلة كثيرة ستتردد علينا وإجابتها مجتمعةً واحدة بأن الكسب الحقيقي هو نفسنا بالطبع وفي أحسن تقويم كما خلقها بارئها، وأيُّ كسب فيما سواها هو مؤقت يزول بزوال مؤثره ثم لا نلبث أن نرثيه.

غدير المزيني