تكتظ شاشات التلفاز بشهر رمضان المبارك بمسلسلات تتنوع
قصصها مابين الدراما، والطابع السياسي، و الجو الكوميدي، واللمسة العاطفية لتصبح عين المُشاهد العربي
تماماً كمعدته التي أصابها عسر هضم بعد انقضاضه على مائدة إفطار تتنوع فيها أطباق
المُقبلات، والمشروبات، والحلويات، حتى تصيب المُفطر الحيرة في أمره في أي إناء أو
طبق يمد سباباته وإبهامه للمرة الأولى ليكسر صيامه، ناسياً السنة النبوية في أن
يبدأ إفطاره بشربة ماء تروي ظمأ أمعائه، أو حتى ثلاثة تمرات تسد رمق جوعه، ذلك الجوع الذي
لحنت له أمعاء بطنه "سيمفاونية" لا مثيل لها.
يمر رمضان ويتلوه رمضان العام المُقبل ونواعد أنفسنا
بذلك الوعد المتين بأن نقضي رمضان هذا العام بروحانيات تُصفي عوادم أرواحنا من غبار هموم
وزلات معاصي قد اقترفناها طوال العام، بقصدٍ أو بدون قصد، ولكن هيهات لهذا الوعد أن يحبو على أرض الواقع! فما أن يهل
هلال رمضان، نبدأ بوضع جدول يُماثل الجدول الجامعي للطلاب، باختيار الوقت المناسب والدكتور الذي
قد اشتهر بين الطلاب بحنكته التعليمية، ولكن هذه المرة يكون الجدول الرمضاني بطعمٍ
أخر، حيث غالباً ما تكون بنوده: الوقت المُناسب، الذي غالباً مايكون بعد الإفطار،
بعد أن يتم الارتواء والإشباع لمدارات الهضم التي هضمت كل شيء. أضف إلى ذلك أسماء أبرز
الأبطال المُشاركين في هذه المسلسلات، والقناة العارضة لهذا المسلسل- الذي لوهلة
واحدة يخاولك الشعور أنه كنز علي بابا أو مصباح علاء الدين، عوضاً عن كونه مُجرد مسلسل.
أنا شخصياً ونظراً لعرض القنوات التلفزيونية لأنواع عدة من
المسلسلات وكأ هناك سباق ماراثونياً،
أقوم بوضع جدول بسيط على هاتفي الذكيّ يُذكرني بهذا المسلسل إذا أعجبتني حلقاته
الثلاث الأولى في مرحلة التقييم في أول ثلاث ليال رمضانية، لأنني اعتدت أن لا
أتعجل على الحكم على أية مسلسل من بداياته، فلربما تكون البداية مُملة ثم يكتسح
ذلك المسلسل بحبكته وأبطاله، قائمة المسلسلات الأكثر مُشاهدة وينال جوائز عدة،
تماماً كما حصل معي رمضان العام وتلقنت درساً. ولكن المشكلة ليست فقط في جدولي الرمضاني المُتواضع،
الكارثة كانت في جدول أمي- رضي الله عنها وأرضاها- التي كانت بدلاً من أن توبخني على
مشاهدتي للتلفاز في هذا الشهر الفضيل واعظةً إياي أن أستغل الوقت بالعبادة
وقراءة القرآن حتى لو كنت لا أضيع إلا نصف ساعة من يومي، كان جدولها أشبه بشجرة
عائلتنا عندما أبصرتها عيني لأول مرة، فتهت بين أغصانها وأسعفها وزغللت عيناي حتى اعتزلت
القراءة من بعدها. أمسكت الجدول بين راحات يدي أتصفحه ولسوء الحظ لم تكن هناك
مسلسلات مُشتركة بين جدولي البسيط وجدول أمي المُعقد بل كانت هناك أوقات تتضارب
فيها المسلسلات ليعرض مسلسلها التي تود مشاهدته في ذات الوقت الذي يعرض به مسلسلي
مع اختلاف القنوات التي تقوم بالعرض. في الحقيقة هذا الموضوع جعلنا نتعارك في أغلب أيام رمضان بعد
الإفطار، لتقول لي أمي مبتسمة:" ماما حبيبتي خليني أغير وبكرا بتشوفي مسلسلك
بالإعادة" ونظراً لأن رضى الله من رضى الوالدة، كنت دوماً أتنازل عن مسلسلي
لأسلمها الريموت مُتمتمة: "عوضي على الله."
أجواء رمضان رائعة بكل مافيها حقاً، فأنا خلال كتابتي
لهذه المُدونة واسترجاعي لشريط ذكريات رمضان الماضي أخذت أشتم رائحة القطايف، وقمر
الدين، والفيمتو قبل الإفطار، فاللهم بلغنا رمضان جميعاً وبارك لنا في أيامه وأوقاته، وأجعله لنا شهر خير على جميع الأمة الإسلامية...يارب...
No comments:
Post a Comment