Friday, 27 March 2020

"كُلُّ مُتوقعٍ آتٍ"



لطالما استوقفتني مقولة ليّست كأيِّ مقولة جاد بها إمام الحكمة علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- حينما قال فيها: "كل متوقع آتٍ"، فمُنتظر الفرح حتماً سيجني ثماره ومهما طال انتظاره، وصاحب اليقين بفكرته ستتحقق، وكذلك مسيء الظن سينال إثم ظنونه قبل أن تنعكس على غيره فيرى طيفها واقعاً أمام مقلتيه؛ لذا فلتتوقع ما تتمنى

وعلى قدر أمنياتك تيقن من حجم تلك اللّذة المُتلونةً بألوان الفرح والفرج والانتصار على كل ذلك الخوف الرهيب الذي أحاط بها لعقود رُبما من الزمان حتى بات الرهان على تحقيقها أقرب إلى المستحيل

ليتنا نعلم أن قانون الجذب لا يقتصر كما تعلمنا في صغرنا على جذب بُرادة الحديد لأقطاب المغناطيس فحَسب. فالحقيقة هي أنه حتى لأحلامنا ولشغفنا الذي يحاكي عَنان السماء قوة للجذب أيضاً، ولكن الأقطاب هنا، وفي هذه الحالة، مختلفة فهي نحن.. نحنُ من نتجاذب مع أحاسيسنا ومشاعرنا ويقيننا الأعمى بقدرة الله (جلَّ في علاه) على حصولها، وهنا يكمن التحدي الحقيقي والانتصار الفعليّ وهو اليقين بقوتنا الداخليّة من بعدها؛ لتذليل الصعاب والتحديات، مهما تبايّنت وتنوعت في سبيل الوصول إلى ما نطمح إليه، وما يليق بنا، ويكلل رحلة صبر لطالما امتطينا جواد آمالها، وتوجهنا ببوصلة قُلوبنا للمُضي قُدماً فيها بكلِّ إرادة وعزم وتصميم

في كل محنة أو اختبار يَمرُّ بِنا علينا أن نتوقع مروره بسلام، حتى يمر بسلام، وأن نعلن الخصام- لا بأس- مع أفكارنا السلبية، وسيّل الإغراءات الشيطانية المُفعمة بأجواء الهزيمة والتشكيك بلائحة المُسلمات والآيات التي تنفخ روح الإيجابية بأرواحنا المُشعثة من خلالها، بيْدَ أننا ولجهل معين مننا وضعناها جانباً حتى تراكمت أكوام الغبار عليها، فلا عدنا نلتفت إليها، خاصةً بعد أن أضنانا المسير في دروب مجهولة الوجهة، فما عاد أحدٌ مُتأكدٌ من ماهيّة خط نهايتها

فحوى القول يتلخص بعدم استكثار أمنياتنا على أنفسنا فنستبعد حصولها، بحجة أن الزمان أو حتى المكان لم يتوائم مع إمكانيتها، فنحرم فراشة أحلامنا، ودون رحمة، من الخروج من طيّات شرنقتها، ونحكم عليها بالتوهان بين سلسلة من الإحباطات اللامتناهية والإمكانيات التي نراها- "برغبتنا لا أحد سوانا- "قاصرة


غدير المزيني

Saturday, 14 March 2020

.. اللهُ خيّرُ حافظ

لربما ترددت على أسماعنا، خاصة في الوقت الراهن، آية ليست كأيِّ آية، ومن شأنها أن تبث الراحة والطمأنينة في قلب كل من حولنا، أوردها الله عز وجل على لسان نبيِّه يعقوب عليه السلام في سورة يُوسف، إذ قال فيها جلَّ في علاه: "قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين (64)".

القارئ لتلك الأحرف الثمينة والكلمات اللامعة بالإيمان التام بقدرة الله سبحانه وتعالى يلمس معجزة الله التي تنفرد بين حرفين لا ثالث لها كُن لتكون، ذلك الإيمان بقوة الخالق وحكمته التي تشمل كل جنوده من مخلوقات مريبة وفيروسات جديدة بثت الذعر في قلوبنا هذه الأيام، حتى باتت تُسابق -والعياذ بالله- تسليمنا لمشيئة الله، التي توارت -وأخشى أن أقولها- بين قلق وخوف وتعقيم بين ثانية وأخرى وفي كل نفسٍ نتردد قُبيل أن نبادر في شهيقه، في زمنٍ اختلفت عوامل الحياة فيه بكل ما فيها.

كلمات نبي الله يعقوب عليه السلام، إذا ما أمعنا النظر فيها، هي لم تأتِ من فراغ، فخوفه على ولديه، جعلته يسلم مخاوفه كافة، وفزع قلب أبوته، لحفظ الله، ولا لأحد سواه. ومن ذلك اليقين، ومن تلك القوة الإيمانية الصافية، تحققت أمنيته بعودة ولديه له يُوسف وبنيامين عليهما السلام كما لم يشهدهما من قبل، فأين نحن من ذلك اليقين؟!

وهنا نحن نقف، وحَبذا إذ ما اقتبسنا طيفاً واحداً من قوة اليقين تلك في ظلِّ كل الظروف الشائكة التي نمر بها، لنردد بيقين "الله خير حافظ وهو أرحم الراحمين"، ملتمسين معانيها بالقلب قبل أن تترجمها حاسة نطقنا، فنؤمن بها بكل حواسنا ونستشعر عظمتها ومشيئة الله فوقها، التي لا يضاهيها كائن في هذا الوجود بأسره؛ لنردد: "فاللهم إنك خير حافظ فاحفظنا وإنك أرحم الراحمين".

غدير المزيني

Wednesday, 4 March 2020

ارحموا مَن في الأرض يَرحمُكم مَن في السماء


تتكاثرُ الصراعاتُ والأوبئة في زمن بات مختلفاً تماماً عما عهدناه في عصور أجدادنا لنسمع بسُلالات لأمراض لم نكن نعي أننا سنسمع بها يوماً ما. فتارةً انفلونزا لطيور، وآخراً لخنازير، ومؤخراً لمرض يتمدد كالفقاعة في قارات وبلاد العالم دونَ استثناء "كورونا"، المتكاثر فزعه بين شعوبنا ومجتمعاتنا كالنار المُتولدة في الهشيم

كلُّ بلاء ـ وإذا ما أمعنا النظرـ في ازدياد مُطرد يحاصرنا من كل حدبٍّ وصوب، فيما يتناسب عكسياً مع مفردات ومشاعر في طريقها للاندثار والانقراض، ولرُبما سنشهدها يوماً مُحنطةً في متاحف من ندرتها؛ وهنا يتربع على صدر القائمة وهذا على سبيل الذكر لا الحصر: المروءة والحياء، والأهم من هذا وذاك مخافة الله ـ وهنا القصد سراً قبل العلن

وجه الشبه بين "كورونا" والظلم، الذي نتنفسه كل يوم ولا كمامة لارتدائها للوقاية منه، حتى بات تلوثه يخنقُ روح العدالة فينا والفطرة السليمة الحيّة التي جُبلنا عليها، يكاد يكون لا يختلف بشيء سوى بتلك الحروف التي تهجأ مفردتا الكلمتين، ولم لا، ونحن نشهد القهر في البيت الواحد وبين أفراد العائلة الواحدة يزداد بمرور الأيام، ويُبهرنا بمشاعر القسوة التي لم نشهد لها مثيل من قبل؛ فهذا هو الأخ يقسو على عضده، وها هي الابنة تتنحى عن لحمها ودمها ببرود جامح، وها هم أولاد العم مواقفهم المتزايدة لا تزيد شيئاً سوى من يقينك بتلك المقولة التي تقول "الأقارب عقارب"، لتؤمن وتُسلِّم بها عن ظهر قلب

وبين هذا كله نختلف في ألواننا ومللنا ورُبما في أجناسنا ونتلاقى جميعاُ عند علامة الاستفهام التالية: أين الرحمة؟ خاصةً إذا ما توجهت بوصلة قلوبنا وأكفنا نحو المولى؛ سائلين إياه بدفع البلاء والأسقام عن بلادنا وأجسادنا؛ راجيين أن تغشانا رحمته التي وسعت كل شيء، وبيْدَ أننا نراها فيما حولنا ونلمسها في كل طريق نسلكه وفي كل درب نتوجه إليه، ما زلنا نقسو ونظلم ونأكل الحق دون أدنى مراعاة لمسكين أو ضعيف أو حتى يتيم، وكأننا نستثني أنفسنا من رحمة عباد الله في أرضه، ثم نستغرب من عدم نيلنا رحمة رب الأرباب، ونندهش بكل هذا السخط الذي يتنزل علينا بل ويستقصدنا؟

دعوةٌ هنالك بين السطور وفي ذيلِّ كل كلمة خُطت للتحلي بالرحمة؛ بدءاً من أن نرحم ذواتنا؛ كيّ يُنظر لنا بعين العفو من رب كريم فيرحمنا ونحن المقصرين المذنبين. ولنُكن ممن قصدهم سبحانه وتعالى وخاطبهم في كتابه بنعتهم بـ "أولي الألباب"ـ أصحاب العقول النيّرةـ ممن ربطوا بين البلاء وتقصيرهم على الفور، وراجعوا صفائح أعمالهم؛ فمسحوا السيئة وأردفوها بحسنة تنعش الروح بين طوابير أعمالهم َّعلى اختلاف مواقفها وتبايّن ردود أفعالهم نحوها، فإنه جل في علاه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم


غدير المزيني