Wednesday, 4 March 2020

ارحموا مَن في الأرض يَرحمُكم مَن في السماء


تتكاثرُ الصراعاتُ والأوبئة في زمن بات مختلفاً تماماً عما عهدناه في عصور أجدادنا لنسمع بسُلالات لأمراض لم نكن نعي أننا سنسمع بها يوماً ما. فتارةً انفلونزا لطيور، وآخراً لخنازير، ومؤخراً لمرض يتمدد كالفقاعة في قارات وبلاد العالم دونَ استثناء "كورونا"، المتكاثر فزعه بين شعوبنا ومجتمعاتنا كالنار المُتولدة في الهشيم

كلُّ بلاء ـ وإذا ما أمعنا النظرـ في ازدياد مُطرد يحاصرنا من كل حدبٍّ وصوب، فيما يتناسب عكسياً مع مفردات ومشاعر في طريقها للاندثار والانقراض، ولرُبما سنشهدها يوماً مُحنطةً في متاحف من ندرتها؛ وهنا يتربع على صدر القائمة وهذا على سبيل الذكر لا الحصر: المروءة والحياء، والأهم من هذا وذاك مخافة الله ـ وهنا القصد سراً قبل العلن

وجه الشبه بين "كورونا" والظلم، الذي نتنفسه كل يوم ولا كمامة لارتدائها للوقاية منه، حتى بات تلوثه يخنقُ روح العدالة فينا والفطرة السليمة الحيّة التي جُبلنا عليها، يكاد يكون لا يختلف بشيء سوى بتلك الحروف التي تهجأ مفردتا الكلمتين، ولم لا، ونحن نشهد القهر في البيت الواحد وبين أفراد العائلة الواحدة يزداد بمرور الأيام، ويُبهرنا بمشاعر القسوة التي لم نشهد لها مثيل من قبل؛ فهذا هو الأخ يقسو على عضده، وها هي الابنة تتنحى عن لحمها ودمها ببرود جامح، وها هم أولاد العم مواقفهم المتزايدة لا تزيد شيئاً سوى من يقينك بتلك المقولة التي تقول "الأقارب عقارب"، لتؤمن وتُسلِّم بها عن ظهر قلب

وبين هذا كله نختلف في ألواننا ومللنا ورُبما في أجناسنا ونتلاقى جميعاُ عند علامة الاستفهام التالية: أين الرحمة؟ خاصةً إذا ما توجهت بوصلة قلوبنا وأكفنا نحو المولى؛ سائلين إياه بدفع البلاء والأسقام عن بلادنا وأجسادنا؛ راجيين أن تغشانا رحمته التي وسعت كل شيء، وبيْدَ أننا نراها فيما حولنا ونلمسها في كل طريق نسلكه وفي كل درب نتوجه إليه، ما زلنا نقسو ونظلم ونأكل الحق دون أدنى مراعاة لمسكين أو ضعيف أو حتى يتيم، وكأننا نستثني أنفسنا من رحمة عباد الله في أرضه، ثم نستغرب من عدم نيلنا رحمة رب الأرباب، ونندهش بكل هذا السخط الذي يتنزل علينا بل ويستقصدنا؟

دعوةٌ هنالك بين السطور وفي ذيلِّ كل كلمة خُطت للتحلي بالرحمة؛ بدءاً من أن نرحم ذواتنا؛ كيّ يُنظر لنا بعين العفو من رب كريم فيرحمنا ونحن المقصرين المذنبين. ولنُكن ممن قصدهم سبحانه وتعالى وخاطبهم في كتابه بنعتهم بـ "أولي الألباب"ـ أصحاب العقول النيّرةـ ممن ربطوا بين البلاء وتقصيرهم على الفور، وراجعوا صفائح أعمالهم؛ فمسحوا السيئة وأردفوها بحسنة تنعش الروح بين طوابير أعمالهم َّعلى اختلاف مواقفها وتبايّن ردود أفعالهم نحوها، فإنه جل في علاه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم


غدير المزيني


No comments:

Post a Comment