وستمرُّ السنون..
وفي لحظةٍ ما، ستصطف طابوراً أمامَ عيّناك كلُّ تلكَ اللحظات التي سيّطرَ عليّكَ فيها شعورُ الهزيمة والاستسلام، بيْدَ أنَّكَ رفعتَ جبهتكَ لأعالي السماء وواصلتَ المسير دونَ تقاعسٍ أو خُذلان بكلِّ نضالٍ وشموخ.
سيلمعُ في ذهنك شريط عمركَ الذي مَضى على عُجالة، وحينها- لذة الفخر- وحدها من ستسيطر على مائدة تلكَ الذكريات؛ بكلِّ ما فيها من أصناف، وسواءً أاستطعمتَ مذاقاتها، أم عافته نفسكَ لمرارتها وخلوها من الطعم، ستكون فخورا.. فخوراً فحَسبْ..
فخرك سيحتل المشهد ويكافأ قرارك الذي امتد لأعوام وعقود لا بأس بها من الزمان لأنّ تكمل مضغ وجبة قدرك، بِكلِّ ما تسلحت به من قوة ومسؤولية، مُنذ نعومة أظفارك النديّة التي رافقتك مِن مهدِّ طفولتك الأول، حتى شاخت معَ طيّات الزمان العاجلة، وحالَّ عليها أحوال عدة؛ ما وُجدت إلّا لتبرهن تبدلَّ الحال، وبقاءَك شامخاً، أصيلاً، أَبيّاً في وجه كل تيّار تكالبَّ عليك، وتهافتت من بعده عليكَ المواسم بخريفها وصيفها وربيعها وشتائها.
وكنتُ "أَنت" مهما تفاوتت الظروف، وتعاقبت الأقدار، يزدادُ نضجكَ كلما ازداد موقد الحياة حرارة عليّك، وتبقى جميلاً بعبقِ تلكَ النكهة التي لن تكونَ إلّا لكَ مُنذ أنّ كنتَ نطفةً في عالم الذّر.
لذا تذكرّ على الدوام لأنّ تعمل من أجلِّ تلكَ اللّحظة، ولا تنتظر مردودها في وقتك الآني، استشرف مستقبلك، وستهون كلُّ تلكَ الدوامة التي لطالما سحبتكَ في موجها المتلاطم حتى ضلَّ مؤشر بوصلتك الاتجاه، ثم قررتَ العودةَ لذاتكَ وتداركتَ أنّ الحياة ما هيَّ إلّا رحلة فناء يُسيرها لطفُ الله وعنايّته فقط، ولا نَجني في الخواتيم إلّا سيرةً عَطرة، وبذوراً لمشاعر طيّبة غُرست في أرواح من حولنا، علّها تُثمر مِن بَعدِنا، إذا كُتِبَ عليّنا الرحيل غفلةً دونَ وداع أخير.
غدير المزيني
No comments:
Post a Comment