Saturday 29 June 2013

سباق الماراثون الرمضاني



تكتظ شاشات التلفاز بشهر رمضان المبارك بمسلسلات تتنوع قصصها مابين الدراما، والطابع السياسي، و الجو الكوميدي، واللمسة العاطفية لتصبح عين المُشاهد العربي تماماً كمعدته التي أصابها عسر هضم بعد انقضاضه على مائدة إفطار تتنوع فيها أطباق المُقبلات، والمشروبات، والحلويات، حتى تصيب المُفطر الحيرة في أمره في أي إناء أو طبق يمد سباباته وإبهامه للمرة الأولى ليكسر صيامه، ناسياً السنة النبوية في أن يبدأ إفطاره بشربة ماء تروي ظمأ أمعائه، أو حتى ثلاثة تمرات تسد رمق جوعه، ذلك الجوع الذي لحنت له أمعاء بطنه "سيمفاونية" لا مثيل لها.

يمر رمضان ويتلوه رمضان العام المُقبل ونواعد أنفسنا بذلك الوعد المتين بأن نقضي رمضان هذا العام  بروحانيات تُصفي عوادم أرواحنا من غبار هموم وزلات معاصي قد اقترفناها طوال العام، بقصدٍ أو بدون قصد، ولكن هيهات لهذا الوعد أن يحبو على أرض الواقع! فما أن يهل هلال رمضان، نبدأ بوضع جدول يُماثل الجدول الجامعي للطلاب، باختيار الوقت المناسب والدكتور الذي قد اشتهر بين الطلاب بحنكته التعليمية، ولكن هذه المرة يكون الجدول الرمضاني بطعمٍ أخر، حيث غالباً ما تكون بنوده: الوقت المُناسب، الذي غالباً مايكون بعد الإفطار، بعد أن يتم الارتواء والإشباع لمدارات الهضم التي هضمت كل شيء. أضف إلى ذلك أسماء أبرز الأبطال المُشاركين في هذه المسلسلات، والقناة العارضة لهذا المسلسل- الذي لوهلة واحدة يخاولك الشعور أنه كنز علي بابا أو مصباح علاء الدين، عوضاً عن كونه مُجرد مسلسل.

أنا شخصياً ونظراً لعرض القنوات التلفزيونية لأنواع عدة من المسلسلات وكأ هناك سباق ماراثونياً، أقوم بوضع جدول بسيط على هاتفي الذكيّ يُذكرني بهذا المسلسل إذا أعجبتني حلقاته الثلاث الأولى في مرحلة التقييم في أول ثلاث ليال رمضانية، لأنني اعتدت أن لا أتعجل على الحكم على أية مسلسل من بداياته، فلربما تكون البداية مُملة ثم يكتسح ذلك المسلسل بحبكته وأبطاله، قائمة المسلسلات الأكثر مُشاهدة وينال جوائز عدة، تماماً كما حصل معي رمضان العام وتلقنت درساً. ولكن المشكلة ليست فقط في جدولي الرمضاني المُتواضع، الكارثة كانت في جدول أمي- رضي الله عنها وأرضاها- التي كانت بدلاً من أن توبخني على مشاهدتي للتلفاز في هذا الشهر الفضيل واعظةً إياي أن أستغل الوقت بالعبادة وقراءة القرآن حتى لو كنت لا أضيع إلا نصف ساعة من يومي، كان جدولها أشبه بشجرة عائلتنا عندما أبصرتها عيني لأول مرة، فتهت بين أغصانها وأسعفها وزغللت عيناي حتى اعتزلت القراءة من بعدها. أمسكت الجدول بين راحات يدي أتصفحه ولسوء الحظ لم تكن هناك مسلسلات مُشتركة بين جدولي البسيط وجدول أمي المُعقد بل كانت هناك أوقات تتضارب فيها المسلسلات ليعرض مسلسلها التي تود مشاهدته في ذات الوقت الذي يعرض به مسلسلي مع اختلاف القنوات التي تقوم بالعرض. في الحقيقة هذا الموضوع جعلنا نتعارك في أغلب أيام رمضان بعد الإفطار، لتقول لي أمي مبتسمة:" ماما حبيبتي خليني أغير وبكرا بتشوفي مسلسلك بالإعادة" ونظراً لأن رضى الله من رضى الوالدة، كنت دوماً أتنازل عن مسلسلي لأسلمها الريموت مُتمتمة: "عوضي على الله."

أجواء رمضان رائعة بكل مافيها حقاً، فأنا خلال كتابتي لهذه المُدونة واسترجاعي لشريط ذكريات رمضان الماضي أخذت أشتم رائحة القطايف، وقمر الدين، والفيمتو قبل الإفطار، فاللهم بلغنا رمضان جميعاً وبارك لنا في أيامه وأوقاته، وأجعله لنا شهر خير على جميع الأمة الإسلامية...يارب...

 

Friday 21 June 2013

"تان" من نوع آخر




البعض يحتار إلى أيِّ وجهة يتوجه في إجازته الصيفية للترفيه عن نفسه، فتجده كله حيرة في أمره، لايعرف أين يقصد مساره: إلى تونس الخضراء، أم إلى أهرامات مصر، أم إلى بتراء الأردن، أو عله يضع أيضاً في قائمة احتمالاته التي تعرف البداية ولانهاية لها: ماليزيا، أو تركيا أو حتى سنغافورة مُبتعداً عن المشرق بكل مافيه من نزاعات ومُشاحنات. أشخاص تحتار في وجهتها الصيفية، وأشخاص أخرى- غلب عليهم أمرهم- الذي لم يختاروه بأيديهم بل كان نصيبهم في هذه الدنيا، بالمثل كمن يُولد وفي فمه ملعقة ذهب، هم وُلدوا أيضاً ولكن ولادتهم كانت بنكهة أخرى، ولادة بصمت على جباههم التعتير والشقاء اسماً لهم.

هؤلاء هم عمال البناء والتعمير الذي اعتدت رؤيتهم في طريقي الجامعي كل يوم على شارع الإمارات وغيرها من شوارع دبي، المُكتظة بحضارة عمرانية لا مثيل لها. ففي كل لبنة برج قد شُيدت توجد قطرة عرق قد سالت من جباه أو أيدي هؤلاء العُمال الذين اعتبرهم بوجهة نظري الشخصيّة، اليد الأولى لماوصلت إليه دول الخليج بأكملها من نهضة جعلتها الاسم الأول الذي يُشار إليه بالبنان عندما نتحدث عن النهضة، والعمران، وناطحات السحاب.

في طريقي البارحة كنت مُتوجهة كعادتي إلى الجامعة قُرابة الثانية والنصف بعد الظهر، وإذا بي أرى هؤلاء العمال على أرصفة الطريق يتطايرون ويتناثرون من أشعة الشمس اللاذعة ليقضوا وقت استراحتهم، أيضاً تحت الشمس، الذين تيقنوا أن لا ملجأ ولا منجا منهم إلا إليها، حتى باتت تلك الشمس بأشعتها كحضن الأم الدافئ الذي لايشعرون بالراحة إلا بجواره أو تحت ظله. توقفت في منتصف الطريق، ونسيت الشارع الذي أسير به وأخذت عيناي تُعاين الموقف، فها هو أحدهم قد أخذ "قطعة كرتونية" ليضعها على أعلى رأسه وكأنها نظارة شمسية، علها تقلل من حماوة تلك الشمس الجافة التي تجعلنا نشبهها بجهنم، والعياذ بالله، على الأرض. نظرت إلى هؤلاء العمال واحداً تلو الأخر، وكأن حدقة عيني باتت كعدسة كاميرا تريد تصوير الموقف بأعلى سرعة، وتغطي الصورة بحذافيرها دون أن تنسى شيئاً من كادرها، فأخذت اترقب كل واحداً فيهم ماذا يفعل، وكيف يتصرف ليقلل من حرارة تلك الشمس، التي تصبصت منها-أنا شخصياً- عرقاً وكأنني سحابة ممطرة على كرسي السيارة التي أجلس بداخلها على أعلى درجة تبريد للمُكيف،ذلك المُكيف الذي أصبح لا يُطعم ولا يُغني من جوع إزاء تلك الحرارة المُصهرة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

نظرت إليهم ووضعت في حسباني إنني سأوجه رسالة شكر إليهم رافعة لهم القبعة أمام كل بصماتهم التي نراها في شوارع مدننا الشامخة في إماراتنا الحبيبة. تحية لكم نكتبها على قرص الشمس الذي أضحى المُنبه الأول الذي يعلن بداية يومكم لتتذكروا بأن كل ماتفعلوه نشعر به ونقدره لكم، شكراً لكم من الأعماق، عمال دولتنا الأبطال.

Thursday 13 June 2013

جرعة أمـــل


 

كثيرةٌ هي الأيام التي تمر علينا بلون رمادي مائلاً إلى الاسوداد أكثر من البياض، لتعطينا دفعة تدفع بنا نحو التشاؤم أحياناً دون أن نشعر. فنجد الحياة حينها لاطعم لها، فيوم الأحد هو نفسه الخميس، والخميس هو ذاته الخميس الذي مضى منذ أسبوعين، ولكنه الآن يختلف بطعم مُنكه برحيق الألم. نسميه ألماً ولاندري أئذا كنا قد أصبنا في اختيار هذه التسمية لكتلة الأحاسيس التي تدق أبواب جدران الخلايا الحسية في أعماقنا أم لا؟ نسميه وجعاً ونمضي في سلسة أيام تستمر بنا إلى اللانهاية من الألم، ولعل السبب في ذلك أننا منذ البداية قد ابتدينا ذلك المشوار دون أن نرى الألم بعكس لامه وميمه إلى كلمة على النقيض تماماً، إلا وهي الأمل.

نعم، فما كان ينقصنا منذ بداية هذا الدرب الشائك بكل أنواع الألم والوجع التي ذقناها، إلى الدرجة التي جعلتنا نميز بين رائحتها وطعمها كعاملٍ امتهن حرفة بيع العسل الأصلي، هو "جرعة أمل" تدفعنا إلى الأمام بنظرة إيجابية إلى الدنيا بأكملها، لتجعلنا نرى من خلال حدقة هذه العين الإيجابية يومنا المُظلم على أنه يوم يتيم لا أب ولا أم ولا حتى أخ أو أخت له، يومنا الأليم هو فقط غصن وحيد من شجرة عائلة لا أحد فيها، سيمر في حياتنا دون أن يترك أية رواسب ويمضي ونمضي معه إلى غدٍ أجمل، مُقتلعين جذور ذلك اليوم بكل مافيه من رُزنامة حياتنا.

مجموعة من الأسئلة تراودني عندما أقابل يوم سيء في تقويم حياتي أوجهها إلى نفسي قبل الجميع:

 ماهو ذنب تقويم عمر كامل أن يُبنى على يوم لم يكن على مزاجنا بل كان كل مافيه عكس مانريد!

وماهو ذنب  نفس بداخلنا أوجدها الله فينا لتحيا ببريق فرح أعدمنا نوره من قبل أن نراه؟

 إن تهورنا ووصلنا حينها إلى هذه الدرجة لنظلم أنفسنا التي أئتمننا الله عليها حين قال جل اسمه وعلا:"ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، فقولوا لي حينئذ، من سيعطي أنفسنا حقها في الحياة لأن تعيش وتحيا حياةً حكمنا عليها حكم إعدام الفرحة قبل أن ترتكب جرماً ما يُخولها لأن تستحق هذا العقاب؟

 فيا آلهـــي كم بالغنا في ظلم أنفسنا، فقال بعضنا بملء الفم: "كم أكره نفسي؟"

 تكره نفسك! وتنظر إلى الآخرين بنظرة استغراب إن كرهوك ونبذوك من بينهم، فلم الدهشة إذا لم تكن أنت الحضن الدافئ الذي يستوعب نفسه ويضمها بفرحها وترحها عندما يقسو عليها الجميع. أنت يامن تدعي كره نفسك، قل لي لماذا تريد من الآخر أن يُحبك وتعتب عليه، وأنت لم تعطي نفسك الفرصة لأن تحب لا أحد آخر بل نفسك؟

وصيتي الآخيرة لك يامن استكثر الحب على نفسه:

أحب نفسك وحاول أن تُغدق على نفسك حباً ليتمكن الأخرون من الوصول إلى درجة حبك، فإن أحببت نفسك ونجحت في حبها، تأهل إلى تلك المرحلة التي تجعلك قادراً لإن تعاتب وتلم الآخرين إن استبعدوك من دائرة حبهم.