Friday 21 June 2013

"تان" من نوع آخر




البعض يحتار إلى أيِّ وجهة يتوجه في إجازته الصيفية للترفيه عن نفسه، فتجده كله حيرة في أمره، لايعرف أين يقصد مساره: إلى تونس الخضراء، أم إلى أهرامات مصر، أم إلى بتراء الأردن، أو عله يضع أيضاً في قائمة احتمالاته التي تعرف البداية ولانهاية لها: ماليزيا، أو تركيا أو حتى سنغافورة مُبتعداً عن المشرق بكل مافيه من نزاعات ومُشاحنات. أشخاص تحتار في وجهتها الصيفية، وأشخاص أخرى- غلب عليهم أمرهم- الذي لم يختاروه بأيديهم بل كان نصيبهم في هذه الدنيا، بالمثل كمن يُولد وفي فمه ملعقة ذهب، هم وُلدوا أيضاً ولكن ولادتهم كانت بنكهة أخرى، ولادة بصمت على جباههم التعتير والشقاء اسماً لهم.

هؤلاء هم عمال البناء والتعمير الذي اعتدت رؤيتهم في طريقي الجامعي كل يوم على شارع الإمارات وغيرها من شوارع دبي، المُكتظة بحضارة عمرانية لا مثيل لها. ففي كل لبنة برج قد شُيدت توجد قطرة عرق قد سالت من جباه أو أيدي هؤلاء العُمال الذين اعتبرهم بوجهة نظري الشخصيّة، اليد الأولى لماوصلت إليه دول الخليج بأكملها من نهضة جعلتها الاسم الأول الذي يُشار إليه بالبنان عندما نتحدث عن النهضة، والعمران، وناطحات السحاب.

في طريقي البارحة كنت مُتوجهة كعادتي إلى الجامعة قُرابة الثانية والنصف بعد الظهر، وإذا بي أرى هؤلاء العمال على أرصفة الطريق يتطايرون ويتناثرون من أشعة الشمس اللاذعة ليقضوا وقت استراحتهم، أيضاً تحت الشمس، الذين تيقنوا أن لا ملجأ ولا منجا منهم إلا إليها، حتى باتت تلك الشمس بأشعتها كحضن الأم الدافئ الذي لايشعرون بالراحة إلا بجواره أو تحت ظله. توقفت في منتصف الطريق، ونسيت الشارع الذي أسير به وأخذت عيناي تُعاين الموقف، فها هو أحدهم قد أخذ "قطعة كرتونية" ليضعها على أعلى رأسه وكأنها نظارة شمسية، علها تقلل من حماوة تلك الشمس الجافة التي تجعلنا نشبهها بجهنم، والعياذ بالله، على الأرض. نظرت إلى هؤلاء العمال واحداً تلو الأخر، وكأن حدقة عيني باتت كعدسة كاميرا تريد تصوير الموقف بأعلى سرعة، وتغطي الصورة بحذافيرها دون أن تنسى شيئاً من كادرها، فأخذت اترقب كل واحداً فيهم ماذا يفعل، وكيف يتصرف ليقلل من حرارة تلك الشمس، التي تصبصت منها-أنا شخصياً- عرقاً وكأنني سحابة ممطرة على كرسي السيارة التي أجلس بداخلها على أعلى درجة تبريد للمُكيف،ذلك المُكيف الذي أصبح لا يُطعم ولا يُغني من جوع إزاء تلك الحرارة المُصهرة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

نظرت إليهم ووضعت في حسباني إنني سأوجه رسالة شكر إليهم رافعة لهم القبعة أمام كل بصماتهم التي نراها في شوارع مدننا الشامخة في إماراتنا الحبيبة. تحية لكم نكتبها على قرص الشمس الذي أضحى المُنبه الأول الذي يعلن بداية يومكم لتتذكروا بأن كل ماتفعلوه نشعر به ونقدره لكم، شكراً لكم من الأعماق، عمال دولتنا الأبطال.

No comments:

Post a Comment